(بيروت) – قالت منظمة حقوقية دولية إن إطلاق نار عشوائي حدث على ما يبدو خلال مواجهات حصلت في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2017 في بلدة قرب كركوك بين قوات “البشمركة” التابعة لحكومة إقليم كردستان وقوات حكومية عراقية مختلفة، تسبب في مقتل 5 مدنيين وجرح ما يقرب من 51 آخرين. سمحت القوات العراقية التي تسيطر على بلدة طوز خورماتو في وقت لاحق للمدنيين بنهب الممتلكات دون عوائق طوال يوم كامل على الأقل قبل التدخل. على قوات حكومتي العراق وإقليم كردستان اتخاذ جميع الخطوات الممكنة لتقليل الخسائر بين صفوف المدنيين ومنع النهب.
قال جو ستورك، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في منظمة هيومن رايتس ووتش: “على القوات العراقية والكردية حل الأزمة الحالية بطرق تحترم حقوق الإنسان بالكامل، وتجنب إيذاء المدنيين أو ممتلكاتهم”.
تقع طوز خورماتو، بلدة مختلطة الأعراق من أكراد وتركمان وعرب، في الأراضي المتنازع عليها، 65 كيلومتر جنوب كركوك، وهي تحت السيطرة المشتركة لقوات حكومة إقليم كردستان وقوات “الحشد الشعبي” والشرطة المحلية، وكانت قد شهدت اشتباكات متقطعة طوال الثلاث سنوات ماضية. اندلع القتال ثانية في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2017، مع سيطرة القوات العراقية على مدينة كركوك وباقي المناطق المتنازع عليها. بحسب 3 عاملين في المجال الطبي في مستشفى يديره تركمان، أسفر القتال الذي اندلع في 16 أكتوبر/تشرين الأول عن مقتل 5 مدنيين وإصابة 51 آخرين.
تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى 3 رجال أصيبوا بنيران عشوائية خلال الاشتباكات. قال “حامد” إن حوالي الساعة 3:45 صباحا، كان هو وشقيقه وأمه يجلسون في غرفة معيشة منزلهم في حي تركماني. أضاف: “حدث انفجاران فجأة ففقدت الوعي. استيقظت حوالي 4.30 صباحا في المستشفى مع نزيف في رأسي وجانبي الأيسر”.
عندما عاد حامد إلى منزله لاحقا تلك الليلة، رأى ثقبين كبيرين في سقف غرفة المعيشة. قال: “لا أعرف لماذا أصيب منزلنا. لم يكن هناك قتال في مكان قريب ولا أي منشأة عسكرية أعرفها”.
قال نديم، تركماني يعيش في حي تركماني آخر، إنه كان في حديقته الساعة 4 صباحا عندما سقطت قذيفة هاون بجواره، لتصيب شظاياها المعدنية يده اليمنى وساقه. قال إنه عندما هبطت قذيفة الهاون، رأى معركة مستمرة بين قوات البشمركة وقوات الدفاع الشعبي على بعد 300 متر تقريبا من منزله.
يعيش “عمار“، تركماني، في نفس الحي على بعد حوالي 500 متر من المقر المحلي لمنظمة “بدر”، إحدى أبرز جماعات قوات الحشد الشعبي. قال إنه استيقظ وشقيقه الساعة 5:30 صباحا على صوت نيران كثيفة. حالما خرجا من المنزل، سقطت قذيفة على بعد مترين منهما. أصابت شظاياها المعدنية يد عمار اليسرى ورأسه، ورجلي أخيه. قال إنهما بقيا داخل المنزل خوفا من استمرار إطلاق النار حتى الساعة 11 صباحا، قبل أن يتوقف الاقتتال ويأخذهما الجيران إلى المستشفى.
لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تحديد ما إذا كانت هناك إصابات بين الأكراد أو المدنيين الآخرين في طوز. قال 4 من سكان طوز إن الاشتباكات كانت أعنف في الأحياء التركمانية لقربها من المنشآت العسكرية والأمنية التابعة لقوات الحشد الشعبي وحكومة إقليم كردستان. قال عاملا إغاثة تعمل منظماتهما في مخيمات للعائلات النازحة في كركوك إن اقتتالا جرى أيضا قرب مخيم ليلان 2، 15 كيلومترا جنوب شرق كركوك، وأسفر عن مقتل أو إصابة 2 من سكان المخيم. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من الحصول على عدد محدد للضحايا المدنيين في مناطق أخرى في كركوك وحولها.
في صباح 16 أكتوبر/تشرين الأول، فرت جميع قوات حكومة إقليم كردستان المتبقية والسكان الأكراد من طوز خورماتو. قال أحد السكان إنه زار حي الجمهوري الشمالي ذي الأغلبية الكردية، حوالي الساعة 4:30 بعد الظهر، ورأى ما لا يقل عن 10 محلات كردية تلتهمها النيران. رأى صبيين ينهبان مواد بناء بلاستيكية من متجر كردي آخر في مكان قريب. قال إن هناك 3 عناصر من “وحدة الاستجابة للطوارئ” التابعة لوزارة الداخلية العراقية كانوا واقفين على بعد 20 مترا يشاهدون الفتيان دون تدخل. قال له أحد المارة إن الصبية كانوا ينتقمون لنهب وحرق المنازل والمحلات التجارية التركمانية على يد قوات البشمركة والمدنيين الأكراد المسلحين في عامي 2015 و2016.
قال الرجل انه رأى رجلا قادما من اتجاه المحلات التجارية بسيارة محملة بتلفزيونات وأجهزة كمبيوتر وإلكترونيات أخرى. سمح له عناصر وحدة الاستجابة للطوارئ الثلاثة بالمرور دون استجوابه. قال إن مدنيا آخر في المنطقة أخبره أنه رأى ظهرا مجموعة من 10 مدنيين مسلحين تقريبا في نفس الحي ينهبون المنازل، لكنهم كانوا يتجنبون عددا قليلا منها كانت عليها نقوش تدل على أنها “لشيعة تركمان”.
جاء في بيان أصدرته “بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق” في 19 أكتوبر/تشرين الأول أنها تلقت ادعاءات باحتراق 150 منزلا في طوز في 16 و17 أكتوبر/تشرين الأول على يد “جماعات مسلحة” وتدمير 11 منزلا بمتفجرات. في مؤتمر صحفي في 17 تشرين الأول/أكتوبر، اعترف رئيس الوزراء حيدر العبادي بوقوع اعتداءات في طوز قائلا إنه أصدر “أوامر صارمة باعتقال أي شخص يهدد الأمن الداخلي ويهاجم المواطنين وممتلكاتهم”.
في الساعات الأولى من يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول، دعا عاطف نجار، الرئيس المحلي لمنظمة بدر، جميع المدنيين في طوز إلى وقف النهب؛ بعد ذلك طوقت الشرطة المحلية أكبر حي كردي. قال الرجل الذي أخبر هيومن رايتس ووتش بأعمال النهب في إحدى المناطق الكردية، إنه لم يتمكن من العودة للتحقق من توقف عمليات النهب.
أطلع صحفيون وناشطون أكراد هيومن رايتس ووتش على صور لداخل مباني محترقة، قائلين إنها تعود لمدينة كركوك. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من العثور على شهود حول نهب أو حرق مبانٍ في كركوك. قال 3 صحفيين دوليين زاروا كركوك في 17 و18 أكتوبر/تشرين الأول لهيومن رايتس ووتش إنهم لم يروا أي علامات على حرائق أو نهب داخل المدينة. قال أحدهم إنه رأى قاعدة عسكرية للبشمركة على الطريق إلى أربيل تحترق، ولكن لم يعرف من تسبب بذلك.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على السلطات العراقية التحقيق في مزاعم نهب وتدمير الممتلكات المدنية ومحاكمة أي شخص مسؤول عن جرائم. على قوات الأمن منع أي عمليات نهب أخرى.
في 16 أكتوبر/تشرين الأول، استعادت القوات العراقية، بما فيها وحدات قوات الحشد الشعبي، أجزاء أخرى من الأراضي المتنازع عليها تحت السيطرة الفعلية لحكومة إقليم كردستان منذ عام 2003، بما في ذلك سنجار وزمار وربيعة وحسن شام والخازر والدبس وكركوك وطوز خرماتو وجلولاء وخانقين ومندلي. تراجعت قوات البشمركة بعد اشتباكات محدودة جدا. على السلطات التكفّل بسلامة وأمن الأقليات في هذه المناطق.
بحسب الأمم المتحدة، عندما استعادت القوات العراقية المناطق، فر ما يقدر بنحو 61,200 شخص من منازلهم للبقاء مع أقاربهم في مناطق أكثر استقرارا، مع عودة بعضهم في الأيام التالية. لم تحدد هيومن رايتس ووتش أي حوادث نزوح قسري.
في 18 أكتوبر/تشرين الأول، أصدرت “قيادة العمليات المشتركة” في العراق، فرع الاتصالات في الجيش العراقي، بيانا يدين تغطية وسيلتين إعلاميتين كرديتين بارزتين، “روداو” و”كردستان 24″، قائلا إنهما “يواصلان تضليل الرأي العام واتهام قوات الأمن باتهامات لا أساس لها من الصحة”. دعا البيان “هيئة الإعلام والاتصالات” العراقية إلى مراقبة وسائل الإعلام واتخاذ الإجراءات القانونية عندما تكون التغطية “مهددة للسلم الأهلي”.
سبق لهيومن رايتس ووتش أن عبرت عن انشغالها من هيئة الإعلام ومبادئها التوجيهية “الإلزامية” التي تُقيّد – دون مبرر – حرية وسائل الإعلام. تطالب المبادئ التوجيهية وسائل الإعلام بتجنب تقديم أي معلومات عن القوات المتمردة للجمهور، وتقديم تقارير عن القوات الحكومية فقط، شريطة أن تكون التغطية إيجابية. تحظر المادة الأولى على وسائل الإعلام بث أو نشر المواد التي “قد تفسر بأنها ضد قوات الأمن”، وتطلب منهم بدل ذلك “التركيز على الإنجازات الأمنية للقوات المسلحة، وتكرارها خلال ساعات البث اليومي”.
قال ستورك: “التعدي على وسائل الإعلام التي تبث خطابا معارضا لبغداد هو تقويض للسلطات التي تقول للعراقيين إنها تحمي حقوقهم جميعا بالتساوي”.